روائع مختارة | روضة الدعاة | الدعاة.. أئمة وأعلام | طلحة بن عبيد الله

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > الدعاة.. أئمة وأعلام > طلحة بن عبيد الله


  طلحة بن عبيد الله
     عدد مرات المشاهدة: 5016        عدد مرات الإرسال: 0

هو طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب ، صحابي قرشي، أحد الستة أصحاب الشورى، ومن المبشرين بالجنة، شهد أحدا وأبلى فيها بلاء حسنا ووقى النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه وإتقى النبل عنه بيده حتى شلت إصبعه كنيته أبو محمد. وكان طلحة بن عبيد الله آدم كثير الشعر، ليس بالجعْد ولا بالسبْطِ، حسن الوجه، دقيق العِرْنين -وهو أوَّل الأنْفِ تحت مُجْتَمَع الحَاجِبَين- إذا مشى أسرع، وكان لا يغير شَيْبَه، رَحْب الصدر، بعيد ما بين المنكبين، ضخم القدمين، إذا التفت التفت جميعًا.

وطلحة أحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، قال طلحة بن عُبيد الله: حضرتُ سوقَ بُصْرى، فإذا راهبٌ في صومعته يقول: سَلوا أهل هذا الموسم أفيهم أحدٌ من أهل الحَرَم؟ قال طلحة: فقلتُ: نعم أنا، فقال: هل ظَهَرَ أحْمَدُ بعدُ؟ قال قلتُ: ومَنْ أحمد؟ قال: ابن عبد الله بن عبد المطّلب، هذا شهره الذي يخرج فيه وهو آخر الأنبياء ومخرجه من الحرم، ومُهاجَرُه إلى نَخْلٍ وحَرّةٍ وسِباخٍ، فإيّاكَ أنْ تُسْبَقَ إليه، قال طلحة: فوقع في قلبي ما قال، فخرجتُ سريعًا حتّى قدمتُ مكّة فقلتُ: هل كان مِنْ حَدَثٍ؟ قالوا: نعم محمّد بن عبد الله الأمين تنبّأ وقد تبعه ابن أبي قُحافة، قال فخرجتُ حتّى دخلتُ على أبي بكر فقلت: أتَبِعْتَ هذا الرّجل؟ قال: نعم، فإنطلِقْ إليه فادخُلْ عليه فإتْبَعْه، فإنّه يدعو إلى الحقّ.

فأخبَرَه طلحة بما قال الرّاهب، فخرج أبو بكر بطلحة، فدخل به على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فأسْلَم طلحة وأخبر رسول الله بما قال الرّاهب، فسُرّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بذلك، فلمّا أسلَم أبو بكر وطلحة بن عُبيد الله أخذهما نَوفل بن خُويلد بن العَدَويّة فشَدّهما في حبلٍ واحدٍ ولم يمنعهما بنو تيم، وكان نَوفل بن خُويلد يُدْعى أسدَ قريش فلذلك سمّي أبو بكر وطلحة القَرينَين، وقيل: إِن الذي قرنهما عثمان بن عُبَيد اللّه أَخو طلحة، فشدهما ليمنعهما عن الصلاة، وعن دينهما، فلم يجيباه، فلم يَرُعْهما إِلا وهما مطلقان يصليان.

ولما أَسلم طلحةُ والزبير آخى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بَيْنَهُما بمكة قبل الهجرة، فلما هاجر المسلمون إِلى المدينة آخى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بين طلحةَ وبين أَبي أَيُّوب الأَنصاري، ولمّا إرتحلَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم من الخرّار في هجرته إلى المدينة، فكان الغد لقيه طلحة بن عُبيد الله عائدًا من الشام في عير، فكَسَا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وأبا بكر من ثياب الشام، وخبّر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أنّ مَنْ بالمدينة من المسلمين قد إستبطئوا رسول الله، فعَجّلَ رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم السّيرَ ومضى طلحةُ إلى مكّة حتّى فرغ من حاجته ثمّ خرج بعد ذلك مع آل أبي بكر فهو الّذي قَدِمَ بهم المدينة.

ولم يشهد طلحة بدرًا، لأن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لمَّا تحيّن فُصول عِيرِ قُريش من الشام بعث طلحة بن عُبيد الله، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نُفيل قبل خروجه من المدينة بعشر ليالٍ يتحسّبان خبر العير فخرجا حتّى بلغا الحوراء، فلم يزالا مقيمين هناك حتّى مَرّت بهما العِير، وبلغ رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم الخبر قبل رجوع طلحة وسعيد إليه، فنَدَبَ أصحابه وخرج يريد العير، فساحلت العير وأسرعت وساروا اللّيل والنّهار فَرَقًا من الطلب، وخرج طلحة بن عُبيد الله وسعيد بن زيد يريدان المدينة، ليُخبرا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم خبر العير ولم يَعْلَما بخروجه، فَقَدِمَا المدينة في اليوم الذي لاقى فيه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم النّفير من قريش ببدر، فخرجا من المدينة يعترضان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فلقياه مُنْصَرِفًا من بدر، فلم يشهد طلحة وسعيد الوقعة، فضرب لهما رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بسهامهما وأجورهما في بدر فكانا كَمَنْ شَهِدَها.

وشهد طلحة المشاهد كلّها مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وكان فيمن ثَبَتَ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حين ولّى النّاس، وبايعه على الموت، ورَمى مالك بن زُهير يوم أُحُدٍ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فاتّقى طلحة بيده عن وجه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فأصاب خنصره فَشُلّت، فقال حين أصابته الرّمية: حَسِّ، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: «لو قال بسم الله لَدَخَلَ الجنَّةَ»، وفي رواية: فقال: حِسَ حس، فقال النبي صَلَّى الله عليه وسلم: «لو قلتَ: بسم الله لرأيت بناءك الذي بَنَى الله لكَ في الجنّة وأنتَ في الدنيا» والنّاس ينظرون.

وروت عائشة، وأمّ إسحاق إبنتي طلحة قالتا: جُرح أبونا يوم أُحُد أربعًا وعشرين جراحة، وقع منها في رأسه شَجّةٌ مربّعة وقُطِعَ نَساه -يعني عِرْق النَّسَا- وشَلّت إصبعه، وسائر الجراح في سائر جسده، وقد غلبه الغَشيُ ورسول الله صَلَّى الله عليه وسلم مكسورة رباعيّتاه مشجوج في وجهه، قد عَلاَه الغشي وطلحة محتمله يَرْجِعُ به القَهْقَرى، كُلّما أدركه أحدٌ من المشركين قاتَلَ دونه حتّى أسنده إلى الشِّعْب، وقالت عائشة أمّ المؤمنين: حدّثني أبو بكر قال: كنتُ في أوّل من فاءَ إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يوم أُحُد، فقال لنا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: «عليكم صاحبكم»، يريد طلحة، وقد نُزِفَ فلم ينظر إليه، وأقبلنا على النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم.

وقال الزُّبير: سمعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: «أوْجَبَ طلحة»، وقالت عائشة: إني لفي بيتي ورسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وأصحابه بالفِناء وبيني وبينهم السّترُ إذ أقبل طلحة بن عُبيد الله فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: «مَنْ سَرّه أن ينظر إلى رجل يمشي على الأرض وقد قضى نحبه فلينظر إلى طلحة»، وقال جابر بن عبد اللّه: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى شَهِيدٍ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْهِ، فَلْيَنْظُرَ إِلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ».

ويروى أنْ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم نهض يوم أُحد ليصعدَ صخرة، وكان ظاهر بين دِرْعين فلم يستطع النّهوض، فإحتمله طلحة بن عُبيد الله، فأنهضه حتى إستوى عليها، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: «أَوْجَبَ طَلْحَةُ»، ومر رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم في غزوة ذي قَرَد على ماءٍ يقال له: بَيْسان مالح، فقال: هو نَعْمَان، وهو طيب، فغيَّر اسْمَه فإشتراه طلحة ثم تصدّق به، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: «مَا أنْتَ يا طَلُحة إلا فَيَّاضٌ» فبذلك قيل له طلحة الفياض.

قال طلحة: سماني رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يوم أَحد طلحة الخَيْرِ، ويوم العُسْرة طلحة الفَيَّاض، ويوم حنين طلحة الجُود. وقال طلحة بن يحيَى: حدّثتني جدّتي سُعدى بنت عوف المُريّة: دخلتُ على طلحة ذات يوم فقلت: ما لي أراك أرابك شيءٌ من أهلك فنُعْتِبَ؟ قال: نِعْم حليلةُ المرءِ أنت ولكن عندي مال قد أهَمنّي أو غَمّني، قالت: اقْسِمْه، فدعا جاريته فقال: ادخلي على قومي، فأخَذَ يَقْسِمُهُ فسألتها: كم كان المال؟ فقالت: أربعمائة ألف.

وروى الحسن أنّ طلحة بن عُبيد الله باع أرضًا له من عثمان بن عفّان بسبعمائة ألف فحملها إليه فلمّا جاء بها قال: إنّ رجلًا تبيتُ هذه عنده في بيته لا يدري ما يَطْرُقُه من أمر الله لَغَريِر بالله، فبات ورُسُلُه مختلف بها في سِكَكِ المدينة حتّى أسْحَرَ وما عنده منها درهم، وقال قَبيصة بن جابر: ما رأيت أحدًا أعطى لِجزيل مالٍ من غير مسألة من طلحة بن عُبيد الله، وقال ابن أبي حازم: سمعتُ طلحة بن عُبيد الله يقول: وكان يُعَدّ من حُلماء قريش: إنّ أقلّ العيب على الرجل جلوسُه في داره، وقال السائب بن يزيد: صَحِبْتُ طلحة بن عُبيد الله في السفر والحضر فلم أَخْبُرْ أحدًا أعَمّ سخاءً على الدّرهم والثوب والطعام من طلحة، ولقد كان يُدْخِلُ قُوتَ أهله بالمدينة سَنَتَهم من مزرعة بقناة كان يَزْرَعُ على عشرين ناضحًا وأوّلُ من زرع القمح بقناة هو، فقال معاوية: عاش حميدًا سخيًّا شريفًا وقُتل فقيرًا، رحمه الله.

وقال علي بن أَبي طالب: سَمِعَتْ أُذني رسولَ الله يقول: «طَلْحَةُ وَالْزَّبِيْرُ جَارَايَ فِي الْجَنَّةِ» وطلحة أَحَدُ العشرة المشهود لهم بالجنّة، وأحد الستّة الذين جعل عمر فيهم الشّورى، وأخبر أنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم توفي وهو عنهم راضٍ، وروى سعيد بن المسيب أَن رجلًا كان يَقَع في علي وطلحة والزبير، فجعل سعد بن مالك ينهاه، ويقول: لا تقع في إِخواني، فأَبى، فقام سعد، فصلى ركعتين، ثم قال: اللهم إِن كان مُسْخِطًا لك فيما يقول فأَرني فيه آفة، وإجعله للناس آية، فخرج الرجل فإِذا هو ببخْتيّ يشق الناس، فأَخذه بالبلاط، فوضعه بين كرْكرَته والبلاط، فسحقه حتى قتله، فأَنا رأَيت الناس يَتْبَعون سعدًا ويقولون: هنيئًا لك أَبا إِسحاق، أُجيبت دعوتك.

وشهد طلحةُ بن عبيد الله يوم الجمل محاربًا لعليّ، فزعم بعضُ أهلِ العلم أنّ عليًا دعاه، فذكّره أشياءَ من سوابقه وفَضْله، فرجع طلحة عن قتاله على نحو ما صنع الزّبير، وإعتزل في بعض الصَّفوف فرُمِي بسهم، فقطع من رجله عرق النَّسا، فلم يزل دمه ينزف حتى مات، ودفنَ طلحة على شاطئ الكلأ، فرأى بعضُ أهله أنه أتاه في المنام، فقال: ألا تريحوني من هذا الماء، فإني قد غرقتُ -ثلاث مرات يقولها.

قال: فنبشوه فإذا هو أخضر كأنه السّلق، فنزعوا عنه الماء، ثم إستخرجوه، فإذا ما يلي الأرض من لحيته ووجهه قد أكلته الأرض، فإشتروا له دارًا من دُور آل أبي بكرة بعشرة آلاف فدفنُوه فيها، وقُتل طلحة رضي الله عنه وهو ابن ستين سنة، وقيل: ابن اثنتين وستين سنة، وقيل: ابن أربع وستين سنة يوم الجمل. ولما قُتِل طلحة ورآه عَلِيُّ مقتولًا جعل يمسح التراب عن وجهه، وقال: عَزيزٌ عليَّ، أَبا محمد، أَن أَراك مُجَندّلًا تحت نجوم السماءِ، ثم قال: إِلى الله أَشكو عجرِي وبُجرِي، وترحم عليه، وقال: ليتني متُّ قبل هذا اليوم بعشرين سنة، وبكى هو وأَصحابه عليه.

المصدر: موقع صحابة رسول الله.